تكاثر الانتقام فـي رواية «القاتل الأشقر» للكاتب المغربي طارق بكاري، الرواية الحاصلة على جائزة القرّاء الشباب للكتاب المغرب. قراءة: بدرية البدري
تكاثر الانتقام فـي رواية «القاتل الأشقر»
للكاتب المغربي طارق بكاري، الرواية الحاصلة على جائزة القرّاء الشباب للكتاب
المغربي للعام 2019م قراءة: بدرية البدري
(الدنيا الى بغت تجي كتجي بسبيبة، والى
بغت تمشي كتقطّع سلاسل)
بهذا المثل المغربي الذي ورد على لسان
الأشقر، أبدأ هذه القراءة، الأشقر الذي قال عنه الأخ الكبير: “لا يتكلم الأشقر إلا
بمقدار ما يتألم”، يسكب أسراره كلها في ليلة واحدة، وهو معلق بين الحياة والموت،
يعاني من الألم ما لا يمكن لأحدٍ سواه أن يطيقه أو يتخيله.
فهل سكبها ليتخلص منها، ويخفف من حِدّة
الألم الذي يأكل جسده وروحه في آن، أم ليسدد طعنته إلى مستمعه ورفيق ليلة الموت
تلك – أو الطلقة الطائشة للموت – الصحفي (وليد معروف) من حيث لا يدري الأخير عنه؛
ليتألم معه ولأجله، ويعيش عذاباته وكأنها عذاباته.
وليد الذي انضم إلى تنظيم “داعش” باحثا
عن سبق صحفي، ليجد نفسه أحد أعضائه، وحين شعر في نهاية المطاف أنه نجا، وأنه سيجني
ثمار تضحيته، أو مغامرته، وجد الموت الذي ظل يهرب منه طوال الوقت يتعقبه، وأن من
حاول اللعب بهم كانوا يتسلّون باللعب به.
كل أبطال الرواية دون استثناء لم
يكونوا أسوياء، جميعهم انتقموا مما تعرضوا له من ظلم بظلم أبرياء آخرين، يتكاثر
الانتقام، وتتمدد دائرته لتصبح حفرة في هذه الأرض توصل إلى جهنم.
ولأن القصة بدأت بهتك شرف، كبر
الانتقام ليصبح دار دعارة، وامتدت هذه الدار لتصبح جسد الدولة الإسلامية المزعومة،
التي تعود بنا إلى نقطة البداية، مع التمتع بالسبايا، وجهاد النكاح الذي ابتدعوه،
ليفوز رجالاتها بنعيم الجنة والحور العين مروراً بهن في الدنيا.
الرواية مدهشة جدا، سردا ولغة، نجح
الكاتب في جعلي أهجر النوم ليلتين متتاليتين لأتمها. وحين أتممتها وجدتني مسكونة
بها، يأكلني الحزن والغضب على أبطالها جميعا دون استثناء؛ فجميعهم ضحايا وجميعهم
مجرمون.
هذه الرواية ليس رواية القاتل الأشقر
وحده، ولا وليد معروف فقط،إنها رواية كل بطل احتل ولو نصف صفحة بداخلها، تمكّن
الكاتب من التحكم بالخيط السردي دون أن ينفلت منه ولو للحظة.
لغة الجسد كانت حاضرة بقوة، وإن كان
عذر الكاتب في ذلك ما ذكرته في البداية عن هذه الرواية، إلا أن ذلك لم يخدمها
فعلاً، خاصة تلك الصفحات التي ذكر بها الأشقر عدداً من النساء اللواتي التقى بهن،
وحكاية كل واحدة منهن معه.
جدير بالذكر أن الكاتب طارق بكاري،
كاتب مغربي، صدرت له سابقاً رواية (نوميديا) والتي كانت ضمن القائمة القصيرة
لجائزة البوكر العربية 2016م، ورواية (مرايا الجنرال).
أترك لكم القليل من الكثير مما وجب
اقتباسه من الرواية:
(حين تُختزل المسألة في أن أقتل كي لا أُقتل،
يصبح من الغباء التفكير في سؤال المشروعية.)
(كل وشم هو طعنة في القلب، وأنا حفرت
هذه الأوشام كي لا أنسى).
(قال لي فيما بعد أن من عادة عينه
اليسرى أن تخذله بدمعات حقيقية، ربما لقربها الجغرافي من القلب).
(كنت أمام خيارين: أن أفصل رؤوس
الآخرين أو يُفصل رأسي. كانت الخيارات قليلة وكنت أنانيا).
(جعل يتفقد الجرح، كان أشبه ببركان
يتدفق حمما).
(لا يقهر الألم الكبير إلا ألم أكبر
منه).
(لا تأتمن من ينقلبون فجأة إلى ملائكة
طيبين، وتحسس ظهرك دائما).
(حين تكون الحياة مقابلا للفقد يصبح من
العبث التعلق بأي شيء يشدنا إلى الحياة).
(في عينيه مد دموعٍ وشيك، لولا أن
كبرياءه جزرٌ حاسم).
(كثيرة هي الأسباب التي تبقي المرء بين
بين، بين حياةٍ ناقصة وموتٍ لا يكتمل).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق