كطائرٍ جبلي يرقب انهيار العالم لهلال الحجري
كطائرٍ جبلي يرقب انهيار العالم لهلال الحجري
قراءة ـ بدرية بنت محمد البدرية :
كطائرٍ جبلي يرقُب انهيار العالم، يأخذنا العنوان في رحلة مع اللاوعي لذاك الطائر الواقف عالياً يرقُب العالم ينهار من حوله، لا أدري لماذا أخذني العنوان لقصة الطوفان وابن سيدنا نوح الذي ظنَّ أنه بمأمنٍ من الطوفان لمجرد لجوئه لجبل قال إنه: ” سيعصمني من الماء ” ولم يكن يدري أن : ” أن لا عاصم اليوم من امر الله “؛ فهل فكر طائرنا أنه بمأمنٍ من ذلك الانهيار الحاصل؟ أم أنه كان يترقّب نهايته سَلَفاً مع ذلك الانهيار؟ ولكن الشاعر يتركنا مترددين بين حيرتنا وتلك النظرة التي لا يمكن لأحدٍ أن يشعر بها إلا إن وقف مكان الطائر في تلك اللحظة.
” ها أنذا
أستوي على عرشِ التجلّي
وحيداً
مستوحِشاً
كطائرٍ جبلي
يرقب انهيار العالمِ تحت السفح ”
تحضر العاطفة بقوة في الديوان:
” أيتها الغريبة
لا حيلة لي بتقديم الورد
والنذور لعيد ميلادك
ولكنني لن أتردد لحظة واحدةً
في اقتلاع مهجتي
وارسالها إليكِ عبر البريد
قرباناً لحبك المقدس ”
” ما من شيءٍ
يمكن أن يصور احتياجي إليكِ
أكثر من
نبتةٍ تلهثُ في أعماق الرمال
بحثاً
عن الحياة ”
لم أكن أتخيّل وأنا أُقلّب بصري بين أروقة القصائد بهذا الديوان أن أصطدم بقصيدة عمودية، الأمر ليس كمن وجد كنزا في مكان لا يتوقعه، فالديوان أقرب لأن يكون ككنوز البحارة الغارقة في الأعماق، ولكنه أشبه بمن هطل عليه المطر فجأة وما استشعر لحظة أن السماء غائمة.
” هل أتاك الحديث عن عزم شعبٍ
ثائرٍ والطفاة تخشى زمانهْ
سقطوا منه طاغيا إثر طاغٍ
ككؤوس تزلزلت وسط حانهْ
ويلهم، هل يدوم عرشٌ إذا ما
زلزل الشعب تحته أركانهْ
فليولوا الأدبار زحفا فإني
أُبصر السيل قادما .. سبحانهْ
أيُّ عرشٍ أمامه سوف يبقى
بعد طوفانِ تونسٍ والكنانهْ ”
وقبل أن أستفيق من مفاجأتي تلك، انتبهت إلى العديد من القصائد العمودية في الديوان.
إذن هو الشعر كعادته، يأخذ من يشاء إلى حيث يشاء، لا يمنحنا فرصة الاختيار وما نحب، نتبعه وحسب.
” قاربٌ كالنجمِ منفردُ
في ضميرِ الليلِ يبتعدُ
موجةٌ كسلى تُداعِبهُ
فتراهُ ليسَ يتئدُ
هل أتاهُ أنني رجلٌ
عاشقٌ أحلامهَ الأبدُ
يا رفيقَ النهرِ خُذ أملي
عارماً بالحبِّ يتّقِدُ
إنها في الضفة الأخرى
وردةٌ في النهرِ تبترِدُ
أصطفيها ربَّةً فردا
لا يُضاهي حسنها أحدُ ”
لا يمكننا فصل الشعر والحالة الآنية للشاعر عن قلقه الوجودي، وما يحدث حوله، بدءًا من بيئته المحيطة إلى وطنه الأكير، إلى وجوده العربي إلى عالمنا الذي لا يكاد يعرفنا أو يرانا، هذا القلق بدا واضحاً في قصائد الشاعر برمزية تحتاج لمن يلتفت إليها ويسبر أغوارها:
” وطنٌ ضيّق
كخصر الراقصة
يغريك
ولا يتسع لأحلامك ”
” أين المفر في هذه البلاد؟
مدينة متوحشة يتجشؤها الخبث والنفاق
و
قرىً بائسة تجلد ظهورَ حميرها بقسوةٍ إلى القيامة
فيا مفازة الربع الخالي
اجعليني ظلاً لغيومكِ الراحلة
أو
صدىً لحنين ناقةٍ
مفجوعها بفصيلها في ” أم السَّميم ” ”
ولأن الشاعر لا يستدل طرق الفرح كما تدله دروب الحزن، نجد أنفسنا نغرق بقسوة في ذلك الاحساس الذي نود أن نصرخ فيه أن كفى:
” يا إلهي
دُلني إلى نبعِ حزنكِ المقدس
أريد
أن أغترفه دفعةً واحدة
سئمتُ
من تقطيره
في قلبي
دمعةً
دمعة ”
ولأن ما يكتبه الشاعر حصاد ثقافته، نجد سلفادور داليه حاضرا بلوحاته الفنية، كما حضر قبله فيديريكو غارسيا لوركا وأحمد بن فضلان.
الدراسة في بريطانيا حضرت بضبابها المترفق بنهر التيمز، حيث لا يترفّق الشعر بالغريب، ولا يمحنه فرصة معانقة الغربة بمنتهى الود:
” جزيرة العرب هي أرض الخطيئة
حيثُ بُعثَ الأنبياء
يتصارعُ أتباعهم بالنواقيسِ والمآذن
أما هنا في كمبريدج
لا شيء سوى
النهر
والزهر
والخلاص ”
فهل سيجد هذا البدوي الثائر خلاصه في قصيدة؟
ذلك ما لن نجد جوابه في هذا الديوان، كما لا أظنه هو نفسه توصل للإجابة، إلا إن كان اهتدى لنورِ وجهها وضمّه بين يديه:
” أنا رصاصةٌ في قلب هذا الظلام
أهتدي بنورِ الثورةِ والمستحيل
ولكني قد أصطدم بقلعةٍ أو منارة
فليكن
نورُ وجهكِ
قِبلة هذا المؤمن ”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق