“الهاربُ من ظله” … قراءة انطباعية في رواية ظل هيرمافروديتوس لبدرية البدري
“الهاربُ من ظله” … قراءة انطباعية في رواية ظل هيرمافروديتوس لبدرية البدري
ليست هي المرة الأولى التي أقرأ فيها للكاتبة بدرية البدري، وفي كل مرة تنجح بدرية في سلب مشاعري لتجعلها حبيسة لأوراقٍ مليئة بالحيرة والترقّب والتفكير حابسة نَفَسي شغفاً في قراءة المزيد من أوراق هذه الرواية، وفي الوقت الذي أترك فيه الكتاب لانشغالٍ ما يظل فكري سارحاً ثم ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما الذي تعنيه هنا؟ ولكن من أين أتت بلسم؟ لابد أن هيرمافروديتوس نوعاً آخر من الهرمونات لا أذكره، وربما لم يمر عليّ أثناء دراستي.
جاءت هذه الرواية لتجيب على سؤالٍ تردد كثيراً في ذهني عن فئة معينة من البشر يولدون بتشوهٍ لا حول لهم فيه ولا قوة سوى أن الله قدّر لهم ذلك، ليطوقهم المجتمعُ به كقيدٍ يلتفُّ حول أعناقهم، ويقيد سلوكهم وينكر رغباتهم ويهمّش إنسانيتهم؛ فيعدّهم عاراً، في انتظار اللحظة التي تنتهي عندها حياتهم. ناهيك عن الحكايات والإشاعات التي قد تظل ملفاً مفتوحاً ليقف صاحبه عاجزاً عن كسر جبروت كل تلك القيود ، متناسين أو متجاهلين أن الأمر لا يتعدى كونه عيباً خَلقياً لا دخل لهم به، هم لم يختاروا أن يولدوا عاجزين عن التمتع بحياةٍ كاملة، ولكنه قدرٌ وجب عليهم احتماله والتوافق معه.
هنا تصنع الكاتبة من بطل الرواية شخصا يحق له اختيار هويته الجنسية إذ أن هذا القرار هو الأحق باتخاذه دونما تدخلٍ من سطوة الأب أو قلق الأم أو قهر الأخ. سعاد التي أصبحت سعيدا بعد ذلك، اتخذت قرار هذا التحول حين شعرت بأن تكيفها وبقائها في جسد أنثى واحساس رجل يسكن بداخلها إنما هي خدعة وقناع مزيف لن تستطيع احتماله للأبد، بالرغم من كل الحلول التي حاولت بها استكمال أنوثتها بدءًا من ذهابها إلى شيخ البلدة (العرّاف) وانتهاء بالطبيب العام والطبيب المختص والطبيب النفسي ثم وفي محاولة يائسة لسد النقص الذي تعاني منه لاحت أمام ناظريها فكرة التبني لطفلةٍ تغذي بداخلها فكرة الأمومة، أو لا بأس بأن تسلك طريقاً غير قانونية لتحقق رغبتها تلك.
تقاطعت مع أحداث الرواية بعض الأحداث التاريخية مثل ذكر الكاتبة لأحداث حرب الجبل الأخضر وحرب ١٩48 في فلسطين، حيث كان لكل حادثة شخوصها،بما لم يخلّ بفكرة الرواية الأساسية، حيث تداخلت الشخصيات مع الشخصية الرئيسة للرواية، سعاد التي ظلت طوال الأحداث تحاول الهرب من ظلها الملتصق بها حتى في العتمة، لتستسلم له أخيراً، وتتوحد معه، لنتعرف من خلال هذا التوحد على شخصية هيرمافروديتوس، وهنا وجب الذكر أن العنوان لم يكن عبثياً أو محاولة لشد الانتباه كما خُيل لي في البداية، بل جاء ليفصح عن مشكلة بطلة أو بطل الرواية، من خلال الربط بين شخصية سعاد أو سعيد وهيرمافروديتوس أول كائنٍ نتج عن اندماج جسدي رجل وامرأة ليتكون جسد واحد يُخلد قصة عشق، ومما يُحسب للكاتبة أنها ذكرت أسطورة هيرمافروديتوس في بداية الرواية، لتزيح بعض اللبس الذي سيعتريك بمجرد مطالعتك للعنوان.
أود التنويه هنا إلى الدقة في عرض الحقائق الطبية والتي تنبيء عن كمية اطِّلاع الكاتبة بهذا الموضوع العميق في تعقده طبيا واجتماعيا وسيكولوجيا، ولولا معرفتي الشخصية بالكاتبة لقلت بأنها طبيبة أو ممرضة كبطلة روايتها سعاد
أحيي الكاتبة المبدعة لأنها لامست موضوعا يبدو خفياً ومحرجاً لدى الكثيرين ممن يعانون من اضطراب الهوية الجنسية، إلا أنه يمثل جانباً إنسانياً مهماً ينبغي الاهتمام به من نواحٍ طبية ونفسية واجتماعية، لأن إهماله يؤدي إلى دمارٍ نفسي لمن يعانون منه.
أسماء البلوشية
كاتبة عمانية
“الهاربُ من ظله” … قراءة انطباعية في رواية ظل هيرمافروديتوس لبدرية البدري
بواسطة مدونة تكامل
في
فبراير 20, 2021
تقييم:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق